اتحاد التأمين يستعرض التجارب الدولية في حماية المتاحف العالمية
أصدر اتحاد شركات التأمين المصرية برئاسة علاء الزهيري نشرته الأسبوعية تحت عنوان «تأمين المتاحف وحماية التراث الثقافي من الأخطار المحتملة»، مؤكدًا أن حماية المتاحف ليست مجرد إجراء فني أو مالي، بل مسؤولية وطنية وإنسانية تسهم في صون ذاكرة الشعوب واستدامة حضاراتها.
وأوضح الاتحاد أن المتاحف تمثل مخزون الهوية الوطنية ومرآة التاريخ الإنساني، فهي لا تقتصر على كونها مباني تحتضن آثارًا وتحفًا فنية، بل تعد سجلًا حياًّ لمسيرة الحضارات، ومن ثم فإن تأمينها يشكّل أداةً أساسية لحماية هذا الإرث من الأخطار الطبيعية والبشرية والرقمية.
تأمين المتاحف.. خصوصية تتجاوز القيمة المادية
تتناول النشرة مفهوم تأمين المتاحف بوصفه منظومة متكاملة تهدف إلى حماية المقتنيات الأثرية والفنية والعلمية والثقافية من الفقد أو التلف، سواء داخل المتحف أو أثناء انتقالها للعرض في الخارج.
ويتميز هذا النوع من التأمين بخصوصية عالية، إذ لا تُقدَّر المقتنيات بقيمتها السوقية فقط، بل بقيمتها التاريخية والحضارية التي لا تُعوَّض.
ويستهدف هذا التأمين إدارات المتاحف، والهيئات الحكومية المعنية بالتراث، والجامعات والمراكز الثقافية، إضافةً إلى المعارض ودور العرض الفنية المؤقتة.
أربعة محاور للمخاطر التي تهدد المتاحف
حدد الاتحاد أبرز الأخطار التي تواجه المتاحف المصرية والعالمية، مقسمًا إياها إلى أربع فئات رئيسية:
1. الأخطار الطبيعية: كحرائق المتاحف القديمة، والفيضانات، والزلازل، والعواصف.
2. الأخطار البشرية: مثل السرقة أو الإهمال الإداري أو أخطاء النقل والصيانة.
3. أخطار النقل والمعارض المؤقتة: حيث تزداد احتمالات التلف أثناء الانتقال أو العرض الخارجي.
4. الأخطار الإلكترونية: المتمثلة في الهجمات السيبرانية وفقد البيانات الرقمية الخاصة بتوثيق المقتنيات في ظل التحول الرقمي للمتاحف.
وثائق التأمين المتاحة للمقتنيات الفنية
تقدم شركات التأمين المحلية والعالمية مجموعة من التغطيات المصممة خصيصًا لطبيعة المتاحف، أبرزها:
تأمين الحريق والأخطار الإضافية مثل الانفجارات وتسرب المياه.
تأمين السرقة والفقد الناتج عن الاقتحام أو الإهمال.
تأمين النقل والمعارض المؤقتة (Exhibition & Transit) لتغطية القطع أثناء السفر والعرض.
تأمين الفنون الرفيعة (Fine Art Insurance) للمقتنيات عالية القيمة.
تأمين المخاطر الإلكترونية لحماية قواعد البيانات والأنظمة الرقمية.
التقييم التأميني.. معادلة بين التاريخ والقيمة
أشار الاتحاد إلى أن تقييم القطع الأثرية يُعدّ من أعقد مراحل التأمين، نظرًا لأن قيمتها تتجاوز المفهوم التجاري.
ويُعتمد في التقييم على معايير الندرة والأصالة والتاريخ والحالة الفيزيائية، بمشاركة خبراء تقييم معتمدين وشركات إعادة التأمين لتوزيع المخاطر المالية.
شركات التأمين شريك في الحماية لا مجرد ممول للخسائر
أكد الاتحاد أن شركات التأمين باتت تلعب دورًا وقائيًا لا يقتصر على التعويض بعد الحوادث، بل يمتد إلى:
تقديم الاستشارات الوقائية لتحسين نظم الحماية.
إجراء زيارات ميدانية لتقييم جاهزية المتاحف.
تدريب العاملين على مواجهة الطوارئ.
تطوير أنظمة إنذار وإنقاذ متكاملة بالتعاون مع الحماية المدنية.
نماذج عالمية في تأمين التراث
استعرضت النشرة أبرز التجارب الدولية:
النظام البريطاني (سوق لويدز لندن): الرائد في تأمين الفنون والتحف عبر حلول مرنة ومبتكرة.
النظام الأمريكي: يقوم على شراكة بين القطاعين العام والخاص، مع ضمان حكومي للمعارض الدولية عبر برنامج Art Indemnity.
النظام الفرنسي والأوروبي: يعتمد على "الضمان الذاتي" من الدولة للمجموعات الوطنية، مع تأمين تجاري للمعارض المؤقتة.
التجربة اليابانية: تركّز على الكوارث الطبيعية، مع أنظمة حماية مضادة للزلازل وتأمين لتوقف الأعمال بعد الكوارث.
التحول الرقمي والاستدامة.. ملامح مستقبل تأمين المتاحف
مع انتشار مفهوم المتحف الذكي، شدد الاتحاد على ضرورة تطوير وثائق تغطي المخاطر الرقمية إلى جانب المادية، مؤكدًا أن التحول الرقمي والاستدامة الثقافية يمثلان محورين أساسيين لمستقبل التأمين في هذا القطاع، حيث يجمع المنتج التأميني الحديث بين حماية المقتنيات المادية والبيانات الرقمية معًا.
الواقع المصري.. فرص وتحديات
تضم مصر 83 متحفًا على مستوى الجمهورية، من بينها 22 في القاهرة و17 في الإسكندرية، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويأتي ذلك بالتزامن مع الافتتاح التاريخي للمتحف المصري الكبير في نوفمبر الجاري، الذي يحتضن أكثر من 120 ألف قطعة أثرية، بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون.
وأشار الاتحاد إلى أن السوق المصرية ما زالت في مرحلة التطوير في مجال تأمين المتاحف، إذ تقتصر التغطيات غالبًا على المعارض المؤقتة، في ظل تحديات أبرزها:
نقص الوعي التأميني.
ارتفاع كلفة التغطيات والتقييم.
محدودية البيانات الفنية الدقيقة للمقتنيات.
وثيقة التأمين المصرية للمتاحف.. نموذج وطني للحماية
كشف الاتحاد عن تصميم وثيقة وطنية لتأمين المتاحف تشمل تغطية الأضرار التي تصيب التحف والقطع الأثرية داخل المتاحف أو أثناء النقل والعرض الخارجي.
وتشترط الوثيقة الاحتفاظ بسجلات دقيقة، وتعبئة وشحن المقتنيات بواسطة شركات متخصصة، وصيانة أجهزة الإنذار بشكل دوري.
ويتم تحديد مبالغ التأمين بواسطة لجان فنية معتمدة، مع تغطية تكاليف الترميم والانخفاض في القيمة الفنية بعد الحوادث.
رؤية الاتحاد: التأمين استثمار في الهوية
واختتم اتحاد شركات التأمين المصرية نشرته بالتأكيد على أن تأمين المتاحف ليس مجرد التزام مالي، بل استثمار في الهوية الثقافية المصرية.
ودعا الاتحاد إلى:
1. تعزيز التعاون بين شركات التأمين ووزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار.
2. إطلاق برامج تدريبية متخصصة للعاملين.
3. ابتكار منتجات تأمينية تراعي الخصوصية الفنية للمقتنيات المصرية.
4. توسيع دور إعادة التأمين الدولي.
5. دعم التحول الرقمي في المتاحف وتأمين البيانات الأثرية.
وأكد الاتحاد أن حماية التراث المصري مسؤولية وطنية تتقاطع فيها الثقافة والاقتصاد والأمن، وأن الاستثمار في تأمين المتاحف هو استثمار في استدامة الحضارة المصرية للأجيال القادمة.












