د.علاء عزوز يكتب: وفاء النيل.. منبع الحضارة ومفتاح الأمن المائي والزراعي

يُعد عيد وفاء النيل مناسبة وطنية ذات رمزية تاريخية وثقافية عميقة، تعكس ارتباط الإنسان المصري بنهر النيل الذي كان – ولا يزال – مصدر الحياة والاستقرار والتنمية على مر العصور. وهو احتفاء متجدد بالعطاء المتواصل لهذا النهر الخالد، وتأكيد على مكانته المركزية في وجدان المصريين وفي صُلب منظومة الإنتاج الزراعي والحضاري لمصر.

النيل والحضارة.. علاقة تاريخية ممتدة

لقد نشأت الحضارة المصرية القديمة على ضفاف النيل، حيث لعب دورًا محوريًا في نشوء المجتمع المصري وتقدمه، بفضل انتظام فيضانه، وخصوبة تربته، وإمداده الدائم بالمياه. وقد استطاع المصري القديم أن يُطور نظم ري متقدمة، وأن يُنظم حياته الزراعية والعلمية والاجتماعية وفقًا لدورات النيل، مما مكّنه من إقامة حضارة مزدهرة اتسمت بالدقة والتنظيم والمعرفة.

ووصف هيرودوت مصر بأنها "هبة النيل" تعبيرٌ لا يزال حاضرًا بقوة، إذ أن نهر النيل كان ولا يزال المورد الأساسي الذي تعتمد عليه الزراعة المصرية، باعتبارها ركيزة رئيسية للأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي والاقتصادي.

دور وزارة الزراعة وقطاع الإرشاد.. نموذج في تعزيز الاستخدام الرشيد للمياه

تولي وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، عبر مختلف قطاعاتها، اهتمامًا بالغًا بملف الإدارة الرشيدة للموارد المائية في الزراعة، وذلك انطلاقًا من رؤية وطنية متكاملة تسعى إلى تعزيز كفاءة الاستخدام وتحقيق الاستدامة الزراعية.

وفي هذا الإطار، يلعب قطاع الإرشاد الزراعي دورًا محوريًا في نشر الوعي بين المزارعين، وتبني الحلول والتقنيات التي تسهم في الاستخدام الأمثل للمياه. وقد قام القطاع بتنفيذ برامج نوعية ومبادرات شاملة من أبرزها: التوسع في التوعية والإرشاد الحقلي، بشأن أهمية ترشيد المياه وتحقيق الكفاءة المائية، تنفيذ حقول إرشادية تطبيقية تستعرض نظم الري الحديثة وتُظهر جدواها الاقتصادية والزراعية، نشر الممارسات الزراعية الجيدة (GAP) وربطها بترشيد استهلاك المياه دون الإخلال بالإنتاجية، والتدريب العملي والفني للمزارعين على استخدام تقنيات الري بالتنقيط والرش، كبدائل فاعلة للري التقليدي.

الدولة في طليعة التنفيذ.. بنية تحتية وتشريعية متقدمة

وتتكامل هذه الجهود مع المبادرات والمشروعات القومية التي أطلقتها الدولة في مجال تنمية الموارد المائية، مثل: المشروع القومي لتأهيل الترع وتبطين المجاري المائية، بما يسهم في تقليل الفاقد وتحسين إدارة توزيع المياه، كذلك التوسع في تطبيق نُظم الري الحديث في الأراضي الجديدة والقديمة، مع تقديم الدعم الفني والتمويلي اللازم، وتحفيز البحوث التطبيقية التي تسهم في استنباط أصناف زراعية أكثر قدرة على تحمل الظروف البيئية والمائية، فضلا عن تعزيز الشراكات المجتمعية والمؤسسية لنشر الوعي المائي بين الفلاحين ومستخدمي المياه.

وفاء النيل.. عهد دائم بالاستدامة والوفاء

إن عيد وفاء النيل لا يُمثل مجرد استحضار لذكرى تاريخية، بل هو مناسبة لتأكيد استمرار هذا الارتباط العميق بين نهر النيل والزراعة المصرية، وحرص الدولة بكافة أجهزتها ومؤسساتها على تعزيز استدامة هذا المورد الحيوي، بما يضمن استمرار التنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي.

وإذا كانت الحضارة المصرية قد بُنيت على أسس من العلم والإدارة الرشيدة للموارد، فإن الحاضر والمستقبل يشهدان امتدادًا لهذا النهج، من خلال التخطيط العلمي، وتكامل الجهود، والاعتماد على المعرفة والتكنولوجيا الزراعية الحديثة.

فلنجعل من وفاء النيل مناسبة للتأكيد على التزامنا بحماية هذا المورد العظيم، وتعظيم الاستفادة منه، وتعزيز ثقافة الوفاء لكل ما يُسهم في رفعة الزراعة المصرية.

كل عام ونهر النيل بخير... وكل عام والزراعة المصرية ركيزة الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.