محمد غزال: معارك الفاشر ليست صدفة ميدانية بل جزء من حسابات السلطة في الخرطوم

أكد محمد غزال رئيس حزب مصر 2000 أن تطورات الموقف العسكري في السودان، ولا سيما سقوط مدينة "الفاشر" بالكامل بيد قوات الدعم السريع، تكشف عن سيناريو بالغ التعقيد، قد يكون جزءًا من عملية مقصودة لإعادة ترتيب المشهدين السياسي والعسكري في البلاد.
وأشار إلى أن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش، يبدو وكأنه يوظف مسار المعارك الحالية لتحقيق أهداف تتجاوز الميدان إلى حسابات السلطة وإعادة الإصطفاف الداخلي.
وقال إن قراءة تسلسل الأحداث منذ عام 2019 تؤكد أن البرهان يتحمل مسؤولية مباشرة عن الانقسام العسكري الذي ضرب السودان في عمقه، بدءًا من قراره بإلغاء المادة (5) من قانون قوات الدعم السريع الصادر عام 2017، والتي كانت تنص صراحة على تبعية قوات الدعم السريع للقوات المسلحة السودانية.
وأوضح أن ذلك القرار، الصادر في 30 يوليو 2019، قبل أسبوعين فقط من توقيع اتفاق الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، شكّل الشرارة القانونية الأولى لانفصال الدعم السريع عن الجيش وتحوله إلى قوة موازية للدولة ذات صلاحيات مستقلة.
وأضاف "غزال" أن سلوك البرهان السياسي والعسكري يعكس عقلية الإسلام السياسي العسكري التي ترسخت داخل المؤسسة العسكرية السودانية منذ عهد الإنقاذ، موضحًا أن العديد من الباحثين أكدوا أن البرهان لم يكن منتميًا تنظيميًا للحركة الإسلامية (الكيزان) داخل الجيش، لكنه تربى في بيئة فكرية وسلوكية تأثرت بمنهجها في إدارة الدولة عبر الدين والسلطة، قائلاً:
البرهان ليس كيزانياً تنظيماً، لكنه كيزاني سلوكاً ومنهجاً، مارس الحكم بذات أدواتهم، وكرر نمط التمكين العسكري والديني الذي قامت عليه دولة الإنقاذ.”
وأشار إلى أن التساهل أو الصمت الميداني حيال معارك الفاشر قد لا يكون مجرد ضعف في القدرات العسكرية، بل ربما جزء من حسابات أوسع لإعادة رسم خارطة النفوذ داخل السودان، معتبرًا أن سقوط الفاشر، إن حدث، سيكون بمثابة “الأزمة المفيدة” التي تمنح البرهان فرصة لإعادة صياغة توازنات القوى داخل الجيش والسلطة الانتقالية.
وأوضح في سياق متصل أن سجل البرهان العسكري يُظهر أنه من أكثر الضباط معرفة بتعقيدات إقليم دارفور، حيث خدم فيه في مراحل متعددة، وكان مديرًا لمكتب الفريق محمد أحمد الدابي ممثل الرئيس عمر البشير في الإقليم بين عامي 1998 و2002، ثم عاد لاحقًا معتمدًا على محلية غرب جبل مرة ورئيسًا لحزب المؤتمر الوطني هناك عام 2003، ما يجعله مدركًا لتفاصيل الجغرافيا القبلية والعسكرية للمنطقة ونتائج أي سقوط ميداني فيها.
وأكد علي أن القرار التاريخي بإلغاء تبعية الدعم السريع للجيش لم يكن إجراءً إداريًا عابرًا، بل فتح الباب أمام خلق كيان مسلح بقانون خاص يتمتع بسلطات داخلية وخارجية غير محددة، في وقت كانت فيه الوثيقة الدستورية بعد الثورة قد أضعفت مؤسسات الدولة التقليدية، مضيفًا:
بموجب ذلك القرار، فقد الجيش احتكاره لمهامه الدستورية في حماية البلاد، وأصبحت البلاد أمام قوتين نظاميتين كلتاهما تتحدث باسم الوطن، لكنهما تتنازعان الشرعية والسلاح.”
وشدد على أن التحليل الواقعي يقود إلى استنتاج مفاده أن البرهان يسعى إلى التحكم في نتائج الحرب لا مسارها، أي أنه لا يبحث عن انتصار عسكري بقدر ما يعمل على توظيف الصراع لإعادة إنتاج توازن جديد في السلطة، خاصة بعد اتساع عزلته السياسية داخليًا وإقليميًا.
وقال: إن السيناريو الأخطر هو أن يؤدي سقوط الفاشر إلى إعادة توزيع الولاءات داخل المؤسسة العسكرية وفتح الباب أمام تدخلات خارجية أعمق، مشيرًا إلى أن البرهان قد يسعى من خلال هذا التوازن الجديد إلى التقرب من محور مصر–السعودية في مواجهة تمدد النفوذ الإقليمي الداعم للدعم السريع، معتبرًا أن ما يجري اليوم هو “إعادة تشكيل كبرى لخارطة السودان تحت غطاء الصراع العسكري.”
وأختتم تصريحه بالتأكيد على أن المشهد السوداني الراهن يمثل درسًا عميقًا في خطورة تسييس الجيوش، محذرًا من أن استمرار سياسة “إدارة الأزمات بدل حلها” سيؤدي إلى تفكك السودان إلى مناطق نفوذ متعددة، داعيًا القوى الوطنية السودانية إلى التحرك العاجل لإنقاذ الدولة من معادلة السلاح والسياسة التي صاغها البرهان منذ عام 2019.

